Saturday, June 17, 2017

البراغي les boulons ما لم تكن تعرفه عنها من قبل


البراغي

التراب، الهواء، النّار والماء

لا عجب في أنّ العناصر الأربعة في العالم القديم كانت التراب، الهواء، النّار والماء. فمن دون تلك العوامل لما كانت الحياة ممكنة - الهواء للتّنفّس، والماء للشّرب، والتراب لزراعة الغذاء والنّار للتّسخين وللإنارة ولتحضير الطّعام، وكذلك للجمال وللحركة. لكن، في أماكن عديدة من العالم القديم - مثل مصر وبلاد ما بين النّهرين، كانت الأرض جافّة، وكانت المياه موجودة في الأنهار فقط. لذا، فمن المتوقّع أن التّحدي التّكنولوجي الأوّل الذي اضطرّت الحضارات الزّراعيّة قيد التّطور إلى التّعامل معه هو إيصال المياه.
إنّ الفرضيّة القائمة هي أنّ الدّلاء المصنوعة من الجلد كانت تُصنع في فترة مبكرة جدًّا، لكنّ إيصال المياه إلى ارتفاع عشرات السّنتيمترات معناه حمل الدّلاء إلى أعلى - أي أنّه على الشّخص أن يحمل نفسه (60 - 80 كغم) بالإضافة إلى الدّلاء (20 - 30 كغم). كيف يستطيع الشّخص أن يحمل دلوًا مليئًا فقط، دون أن يحمل نفسه؟


إنّ أقدم وأبسط الأجهزة هو "الرّافعة" - عصا طويلة يمكن إدارتها حول سند مرفوع حوالي 3 أمتار عن الأرض. كان في الإمكان غمر الدّلو المعلّق على أحد أطراف العصا داخل النّهر، ووضع وزن مقابل الدّلو في طرف العصا الآخر لرفع الدّلو المليء وتفريغ محتواه داخل قناة. كانت تستخدم هذه الأجهزة (وبعضها لا يزال قيد الاستخدام) في مصر، وربّما في الهند كذلك، قبل 4,000 سنة. كلّ جهاز كهذا كان يسمح بريّ أرض تبلغ مساحتها نحو 8 دونمات.

برغي أرخميدس

إنّ برغي أرخميدس هو جهاز ذكيّ وعبقريّ جدًّا. تحدّثنا الخرافة أنّ أرخميدس اخترعه في القرن الثالث ق.م. في سيركوز (صقلية) كي يضخّ المياه من سفينة الملك. لكن هناك إدلّة تشير إلى أنّ الجهاز استخدم للريّ في مصر قبل مائتي سنة من عهد أرخميدس. يضخّ هذا الجهاز المياه (أو طابات البلاستيك في التمثال المعروض في قسم الأطفال في متحفنا) دون توقّف نتيجة تحريك ذراع.


هل رأيتم مرّة عصا الحلاقين؟ ربّما في أفلام رعاة البقر، فقط. في الولايات المتّحدة، اعتاد الحلاقون في الماضي أن يشيروا إلى محلاتهم بواسطة أسطوانة بيضاء رسم عليها خط لولبي أحمر كانوا يجعلونه يدور حول محور عمودي. عند النّظر إلى الدّوران، لم يكن في الإمكان تمييز الدّوران، وإنما فقط سلسلة من الخطوط الحمراء المائلة التي ترتفع إلى أعلى دون توقّف. تخيّلوا الآن أنّ الأسطوانة مائلة بـ 45 درجة، وحوّلوا الخطوط الحمراء في مخيّلتكم إلى أنبوب مليء بالماء حتّى النّصف. عندما تدور الأسطوانة، فإنّ المياه الموجودة في الجزء السّفلي من الأنبوب اللّولبي سترتفع إلى أعلى حتّى يتمّ سكبها من الجزء العلوي المفتوح للأنبوب. وإذا وُضع جزء الأنبوب السّفلي داخل بركة من الماء، لكان هذا الجزء السّفلي سيمتلئ بالماء مُجدّدًا بعد كلّ دورة ولأصبح الجهاز مضخّة متواصلة.



نستخدم في المعرض صورة مختلفة لهذا البرغي، لكنّ المبدأ هو ذاته: فبدل الأنبوب توجد أسطوانة دافع لولبي (مثل البرغي الكبير)، الذي يدفع الكريات نحو الأعلى، نحو الفراغات التي بين الشّفرات.

البراغي الدّافعة بقوّة

لكنّ الاستخدام الأساسيّ للبراغي على مرّ الزّمان كان ولا يزال الدّفع بقوّة. إنّ أقدم الحاجات إلى الدّفع كانت الدّفع القوي عند تحريك ورفع الحجارة الثّقيلة، لبناء الأهرام، مثلا. نظريًّا، تستطيع الرّافعة أن تشغّل قدرًا غير محدود من القوّة، لكنّ ذلك منوط بقوانين الهندسة وبإمكانيّة تحمّل المواد. لقد قال مرّة أرخميدس: "أعطوني نقطة ثبات وسأحرّك العالم!" (لم يخترع أرخميدس الرّافعة؛ فقد كانت الرّافعة تُستخدم قبل زمن أرخميدس بنحو 3,000 سنة).


لكنّ الرّافعة هي جهاز أحادي الاستعمال، وإن أردنا الاستمرار بدفع جسم ما يتحرّك، فإنّ استخدام الرّافعة يصبح معقّدًا جدًّا. هنا، يدخل البرغي إلى الصّورة. فالبرغي، عمليًّا، ليس إلا "رافعة متواصلة". المبدأ الذي يعمل بحسبه هو نفس مبدأ الدّرجات المائلة. لم يحاول المصريّون القدامى رفع الحجارة إلى أعلى الأهرام بصورة عموديّة، بل قاموا، على ما يبدو، ببناء درجات ذات ميل بسيط كانت توصل إلى أعلى جوانب الأهرام. إذا تجاهلنا عامل الاحتكاك للحظة (والذي يمكن التّغلّب عليه بواسطة الزّيت أو الدّواليب)، فكلّما كان ميل الدّرجة أقل، كان دفع الحجارة إلى أعلى أسهل. التّفسير الفيزيائي لذلك ينبع من أنّه كلّما كانت الدّرجة أقرب إلى السطح الأفقي في ميلها، فإنّ مركّب الوزن (المركّب المعامد) الذي يشغّل قوة باتّجاه الدّرجة يكون أصغر.



الآن، عليكم أن تبنوا مثل هذه الدّرجات بشكل لولبي حول أسطوانة أو مخروط - مثلما تصف الخرافة برج بابل، أو على شكل متحف غوغنهايم في نيويورك. المهمّة تبقى هي ذاتها - إمكانيّة الدّفع البسيط باتجاه أفقي تقريبًا (سير هادئ في المتحف) لرفع وزن ثقيل (وزننا نحن) ارتفاعًا كبيرًا. تخيّلوا أنفسكم الآن إلى جانب عمود رأسي ثابت في مكانه، في حين أنّ المتحف يبدأ بالدّوران! إذا كان الدّوران بالاتّجاه الصّحيح، وإذا سمحتم لأقدامكم أن تنزلق قليلا على الأرضيّة الآخذة باالدّوران، فستجدون أنفسكم ترتفعون شيئًا فشيئًا وببطء إلى أعلى العمود!



لكن، لنفترض أنّكم تتشبّثون بقوّة بالعمود عندما يدور المتحف. سيجد المتحف نفسه مندفعًا نحو الأرض!



حسنًا، قد تكون فكرة أن يندفع المتحف نحو الأرض (بفعل قوّة أقدامكم) سخيفة بقدر فكرة أن يبدأ المتحف بالدّوران حول محوره فجأة. لكنّ هذا المبدأ هو بالضّبط المبدأ الذي يعمل وفقًا له البرغي.



إذا تحوّل كلّ الزوّار في المتحف إلى شجرة والتصقوا كلّهم بعضهم ببعض، وإلى الحيّز من حولهم، وإذا كان للمتحف طرف حادّ فعلا في قسمه السّفلي، لكان في إمكان المتحف فعلا أن "يُبرغي" نفسه إلى داخل الأرض...!

لنعود إلى عالم الواقع...

إذا وصلتم قطعتين من الخشب بواسطة مسامير، فإنّ الاحتكاك هو الذي سيمنع قطعتي الخشب من الانفصال – أي الاحتكاك القائم بين المسمار وبين قطعة الخشب التي تضغط عليه بشدّة.


البراغي أيضًا متعلّقة بالاحتكاك الذي يمنع الأقسام المختلفة من الانفصال. لكن في البراغي، يعمل الاحتكاك بصورة أكثر نجاعة من المسامير. لماذا؟ لأنّنا نستطيع إخراج البرغي فقط إذا قمنا بإدارته، وإذا حاولنا أن نقتلعه للفصل ما بين قطعتي الخشب، فجزء بسيط فقط من القوّة التي نشغّلها سيتحوّل إلى لفّ البرغي، لأنّ التفافات البرغي عموديّة تقريبًا على القوّة التي نشغّلها. إضافة إلى ذلك، فإنّ القوة التي نشغّلها تضغط أكثر على الخشبة وتدفعها نحو لولب البرغي، ما يزيد من الاحتكاك. لهذا السّبب، إنّ البراغي ممتازة لربط الأقسام المختلفة.

الطيران والملاحة

الحقيقة هي أنّ هناك براغي تعمل كذلك في الجو وفي الماء. تستخدم الطّيارات والسّفن الدّافعات كي "تُبرغي" طريقها عبر الهواء والماء، في حين أنّ المراوح تدفع الهواء نحونا لتبريدنا في فصل الصّيف.

توليد الكهرباء

في النهاية، هناك أجهزة على شكل "براغٍ" تدور بفعل عمليّة الدفع. هذه هي محرّكات التوربينة، التي يتم فيها دفع الهواء أو بخار الماء أو الماء بسرعة كبيرة نحو البرغي، ما يؤدّي إلى دورانه. الفروق بينها وبين البراغي الموجودة في المعدن أو في الخشب هي التّالية: أوّلا، بين "التفافات البرغي" (شفرات التّوربينة) والقوّة المشغّلة زاوية صغيرة نسبيًّا، أي أنّ قسمًا كبيرًا من قوّة الدّفع يتم وضعه جانبًا لإدارة البرغي؛ ثانيًا، إنّ الاحتكاك مع الهواء أو مع الماء أصغر بكثير من الاحتكاك مع مادّة صلبة.


هل كنتم تعلمون أنّكم تصادفون "البراغي" في كل هذه المواقف الكثيرة في الحياة؟

No comments:

Post a Comment