الأسماك والغوّاصات
لو كنت سمكة "تريد" الخلود إلى النوم ولكنّك تخشى من أن تطفو إلى أعلى أو تغوص إلى الأعماق...
لو كنت قائد غوّاصة وكان عليك إطفاء المحرّكات لئلا ينتبه العدوّ إلى وجود الغوّاصة، وفي الوقت نفسه كان عليك الحفاظ على الغوّاصة على عمق ثابت في الماء...
ماذا كنت ستفعل؟
الغوّاص الدّيكارتي
يظهر "الغواص الدّيكارتي" كيف يمكننا الصعود والهبوط تحت الماء، أو كيفيّة البقاء على عمق ثابت، وذلك بوسيلة مفاجئة، تبدو أشبه بالسحر، تقريبًا. الغوّاص - وهو عبارة عن بالون صغير جزؤه مليء بالهواء وجزؤه الآخر بالماء - موجود داخل زجاجة شفافة مليئة هي الأخرى بالماء. نستطيع تحريك الغوّاص إلى أعلى أو إلى أسفل بواسطة الضّغط على الزّجاجة البلاستيكيّة.
ما الذي يحدث؟
ماذا اكتشف أرخميدس؟ لقد اكتشف عمليًّا طريقة لكشف الزّيف، أي لمعرفة ما إذا كان التّاج مصنوعًا من الذّهب الصّافي كما يدّعي الصّائغ (وقد اكتشف، فعلا، أنّ التّاج ليس مصنوعًا من الذّهب الصّافي). تعتمد الفكرة على قدرة الأجسام على أن تغرق أو أن تعوم في الماء. عندما غطس أرخميدس في حوض الاغتسال، فهم فجأة أنّ ما يجعل الأجسام تطفو أو تغرق في الماء هو كثافتها المتوسّطة بالنّسبة لكثافة الماء (تعرّف الكثافة على أنّها كتلة وحدة حجم واحدة).
هذه الظاهرة مصدرها التّوازن القائم بين قوّة الجاذبيّة - وزن الجسم - وبين قوّة الرّفع للماء، والتي تساوي وزن الماء الذي يزيحه الجسم. يعوم الخشب دائمًا، دون علاقة بشكله، لأنّ كثافة المادّة أصغر من كثافة الماء. كما إنّ السّفن المصنوعة من الفولاذ تطفو، لأنّ الكثافة المتوسّطة للسّفينة ككلّ - الفولاذ والحيّز الفارغ الموجود في جوف السّفينة - أصغر من كثافة الماء. عندما يمتلئ جوف السّفينة بالماء، فإنّ الكثافة المتوسّطة للسفينة تصبح أكبر من كثافة الماء فتغرق السّفينة.
البقاء في الموقع ذاته
للبقاء في الموقع ذاته تحت سطح الماء، كلّ ما علينا أن نفعله هو تغيير الوزن أو الحجم بحيث يتساوى مع وزن أو حجم الماء.
تلائم الأسماك كثافتها لكثافة المياه بواسطة ابتلاع الهواء أو بواسطة امتصاص الغازات من الماء. يتم تخزين الهواء أو الغازات في "كيس سباحة" موصول بالأمعاء. للمقارنة، توجد للغوّاصات أوعية خاصّة يمكن ملؤها بالماء أو بالهواء بحسب الحاجة. هكذا يتغيّر وزنها الكلّي وكثافتها المتوسّطة.
بما أنّ رئتي الإنسان مليئتان بالهواء، فإنّ كثافتنا المتوسّطة أقلّ من كثافة الماء هي الأخرى، ولذا على الغوّاصين المحترفين أن يربطوا أوزانًا إلى أجسادهم كي ينجحوا في الغوص.
أسماك القرش، المناطيد والعصافير
أسماك القرش أثقل من الماء بعض الشيء، ولا توجد لديهم أكياس سباحة. عمليًّا، تستطيع أسماك القرش أن تستلقي على أرضيّة البحر في المياه الضّحلة. لكنّها لا تنام أبدًا إنّما تسبح كلّ حياتها. غير أنّ أسماك القرش تستغلّ مبدأ آخر: لتفادي الغوص تقوم أسماك القرش باستغلال قوة الرّفع التي تنتجها الزّعانف عندما تتحرّك الأسماك إلى الأمام، بالضّبط مثل العصافير التي تستخدم أجنحتها للطيران.
المناطيد هي أيضًا نوع من "أكياس السباحة" التي تحلّق أو تحوم في الهواء. في الإمكان إنتاج منطاد كثافته المتوسّطة مساوية لكثافة الهواء الذي يحلّق المنطاد فيه. ملء المنطاد بهواء ساخن يؤدّي إلى تحوّل كلّ الجسم - الأشخاص + السلّة + البالون + الهواء - إلى جسم ذي كثافة مساوية لكثافة الهواء الذي من حوله.
كيف يعمل الغوّاص الديكارتي، إذًا؟
إنّنا بحاجة إلى المزيد من المعلومات لتفسير طريقة العمل: وهي ظاهرة قابليّة الهواء للضّغط، وانعدام هذه القابليّة لدى الماء. هذا يعني أنّ ضغط الماء لا يستطيع تغيير حجمه، في حين أنّ ضغط الهواء يقلّل من حجمه. لقد تمّ ملء الغوّاصين بالماء إلى النّصف، والباقي بالهواء. جسم كلّ غواص هو بالون مصنوع من مطّاط مرن. عندما نضغط على الزّجاجة، فإنّنا ندفع المياه داخلها، وهذه تولّد ضغطًا على جسم البالون المطّاطي. بما أنّ الهواء داخل البالون قابل للضّغط، فإنّه "يتقلّص فعلا"، ولذا فإنّ الحجم التّام "للغواص" يصغر.
يجب أن نذكّر هنا أنّ وزن الغواص لا يتغيّر. لذا، فإذا بقي الوزن ثابتًا وصغر الحجم، فإنّ الكثافة الكلّيّة تصبح أعلى، أكبر من كثافة الماء و... هوب! يغوص الغواص أعمق فأعمق.
No comments:
Post a Comment