المغربي كائن مسكين ومنهك ومفلس ودائخ ويريد حياة أفضل ولا يعرف كيف. لا يعرف أن ذلك لا يتأتى أبدا دون قراءة وفن وانفتاح على العالم والثقافات الأخرى وقبول الآخر والجرأة على التفكير وعلى العلم وعلى الخروج عن سلطة الجماعة وسلطة الفقهاء بشكل نهائي. لا يعرف أن الأمم لا تبنى بالعاطفة فقط والصراخ والشهادة بل بالتفكير وبالتحرر وبالعلم.
ليست الدولة وحدها من يستعمر المغربي، بل المغربي يستعمر نفسه ويرفض أن يحررها، ويريد أن يتحرر من الدولة وقمعها وسلطتها بنفس الفكر الذي تقمعه به وتتسلط به. المغربي يجرؤ على الدولة وعلى المخزن لكنه لا يجرؤ أبدا على نفسه وعلى أفكاره ومعتقداته غافلا عن أن المخزن هو أعماقه. من الصعب جدا أن ترى نورا حقيقيا فيما يحدث اليوم حتى وإن كنت متمردا ثوريا، حين تجد أن المتمردين والثوريين لا يقاسمونك رؤيتك إلى الثورة والتمرد، لا يقاسمونك حب الحرية والفن والحياة، بل يحاولون الثورة على كل ذلك. لا تسمع أبدا أي نبض للحياة. كل ما تسمعه هو رغبة دفينة ومرعبة في الانتقام وفي سحق الفوارق الطبقية بالانتفاض المفاجئ من السبات الطويل للعقل والروح والقلب عبر عودة مبهمة وغامضة ومخيفة إلى التدين. رغبة قد تستعر كنار في الهشيم بعشوائية في أي لحظة، لتنهي كل شيء بشكل كامل. فكل ما يبنى بالكرتون سواء بيد الدولة أو بيد شعب سينقصه فقط عود ثقاب ليتوهج بالدمار. الزفزافي للأسف لا يمكن أبدا عبر خطابه وسلوكه وخلفيته الفكرية إلا أن يكون عود ثقاب يشتعل سريعا، وينطفئ سريعا لكن بعد أن تكون النار قد شبت في البنزين..
المثقف الحقيقي يظل عاقلا ورزينا وحكيما حتى وإن كان يائسا. وحين ينخرط في هموم الشعب لا ينخرط كدابة عمياء، ولا يجيشهم بين ليلة وضحاها من أجل غد وهمي أفضل، بل يحاول إنارة عقولهم طيلة الوقت من أجل كشف ظلمات أوهامهم المقدسة.
No comments:
Post a Comment